كيف عشت مقتله؟

بقلم بولس

طُرح عليّ اليوم سؤال لم اسمع مثله من قبل: “يا بولس كيف عشت مقتله؟” أشار السؤال الى مقتل الأب فرانس الذي مات شهيداً قبل عيد الفصح بأسبوعين سنة ٢٠١٤ في دير الأباء اليسوعيين في حمص سوريا وكان عمره خمس وسبعين سنة. لفت مقتله نظر الإعلام عبر العالم. من كان هذا القديس الذي قضى جل حياته في خدمة الشعب السوري؟ من كان هذا الرجل الشجاع الذي بقي في حمص الراهب الوحيد خلال الحصار الطويل حيث رافق من لم يقدر على الهروب وعانى بما عانوا به بل جاع بجانبهم حين نفد كل ما يؤكل عندهم

مع ذلك كله تكمن حقيقة القصة في ذلك السؤال الغريب: “كيف عشت مقتله؟” قد لا يفهمه فهماً كاملاً إلا من عرفه وصاحبه في الحياة فإن مقتله أثار فينا فرحاً عجيباً. طبعاً انصدمنا بالخبر في أول الأمر ولكن الحال تغير على الفور لِما شعرنا به من دخول روحه فينا تقوية لأرواحنا وتكملة لها. لم يمُت في سبيل هدف كريم فقط. ولا كان ما حرّكَنا داخلياً مجرد الذكر له كما عرفناه في الحياة. وإنما انتقلت روح منه الينا. لا أقصد مجرد الرغبة في حمل روحه في العالم من حيث دوام رسالته ورؤيته وإنما هناك شيء أعمق من ذلك كله. انتقلت قوة منه الينا تمكيناً لنا من تجسيد ما جسّدها ولا يزال. لا يقتصر الأمر على الرغبة في الاقتداء بهذا الرجل أخلاقه وسيره. في الحقيقة دخلت روحه فينا ولم ندرك ذلك إلا عند مماته. كانت روح الأب فرانس روح المجانية والمحبة والخدمة والانفتاح على الجميع. كانت روحه روح المسيح. شهدنا روحه في حياته والآن عشناها في حياتنا نحن عند مماته هو حين انتقلت منه الينا فاستقبلناها بعمق أنفسنا

http://www.turnbacktogod.com/wp-content/uploads/2008/07/holy-spirit-wallpaper-pic-0101.jpg

لا ينبغي أن أتكلم عما يخص عالم الغيب في زمن ينكر ذلك أهله. مع ذلك أتكلم. غصباُ عني أتكلم عما عشناه في الحقيقة. كيف يمكن وصفه؟ كيف يمكننا التعبير عنه؟ عند مقتل فرانس ذقنا شيئاً يشبه ما عاشه تلاميذ المسيح من حياة جديدة عند القيامة. تحوّلنا من حال خَلق الى حال خَلق جديد. ما عشناه فإنه زادنا فهماً لِما عاشه تلاميذ المسيح وهو أعمق بكثير من مجرد حال العجب بجسد ميت أعيدت له الحياة وإنما دخلت روحه فيهم. شهدوا روحه في حياته لِما ظهر فيه من قوة روحية لا تقاوَم. أما عند قيامته فعاشوا روحه تلك بوفرة

كيف عشت مقتله؟ يكثر من عاش ما عشته أنا لأن الكثير عرفه وشهد ما جسّده من روح لا تقاوَم. الغريب في الأمر هو انه أصبح في مماته نبعاً يشرب منه الكثير حياة جديدة. وخير دليل على ذلك هو ما علّقه على الشبكة رجل من حلب، “صحيح جسدك تحت التراب ولكن روحك تبقى عائشة فينا.” هبة الروح القدس. هكذا أتكلم عما عشناه. لا أتكلم كلام من درس علم اللهوت. أتكلم كلام من عاش ما عاشه الكثير ولا يستطيع إنكاره. لا أتكلم عن مجرد الرغبة في تكميل ما قام به الأب فرانس من أعمال صالحة في حياته. ما عشناه فإنه هو هبة منه لنا — هبة الحياة عند الممات كأنه يقول لنا: “هنا روحي أعطيها اياكم.” هكذا اطلعنا عن قرب على عملية عميقة هي حركة الروح القدس في العالم من جيل الى جيل وذلك عن طريق جسد من اختاره الله لذلك. لا أتكلم عن نظرية لأننا شعرنا شعوراً لا يُنكر. كانت روح المسيح تحيى في فرانس فنقلها الينا في حياته بوفرة وفي مماته بوفرة أفضل. انتقلت روح المسيح الى تلاميذه ومنهم الى الجيل اللاحق ومنه الى الجيل بعده وهكذا دواليك الى يومنا هذا فانتقلت الينا روح المسيح عن طريق جسد فرانس. هكذا تجري العملية مجرى اجساد تجددت حياتها بما دخل فيها من روح المسيح فتنتقل روحه عن طريقها إظهاراً جسدياً للروح القدس في العالم عبر الأجيال. هكذا عشنا مقتل فرانس

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *